بسمة الخولي تكتب: زمن الرعب الجميل «2»

كتبت: بسمة الخولي
«إنه حي»
كانت الشابة داخل المقبرة تعلم أن كل الموتى يعودون للحياة بطريقة أو بأخرى ، لهذا السبب تحديداً جلست ممسكة بوردة حمراء يانعة أمام قبر حبيبها و انتظرت ، سيطر عليها الخوف لكنها قاومت الإغماء و بقت حيث هي ، تراقب التراب في صمت ، ضوء القمر الفضي ، البرد ، و سكون الليل حولها صنعوا لوحة تروي عشرات القصص ، من بعيد راقبنا نحن هذه القصص ، و بدأنا تدوين ما رأيناه بالمشهد ، صانعين ما يٌعرف بـ ” الرعب القوطي ” .
لتفهم أكثر ماهية الرعب القوطي تخيل لوحة فنية بديعة لريف إنجليزي زاهي الألوان ، تحمل اللوحة جمال الطبيعة ، و شفافية الحب بين شاب و فتاته جالسين فوق أرجوحة أمام قصر فيكتوري عريق ، تخيلت ؟ ، جيد جداً ، الآن لو نظرت للوحة عن قرب سترى أن القصر مهجور و ستلاحظ الشبح الأسود الذي يراقب في غضب عبر الستائر ، دقق النظر أكثر و سترى أن مخالب الشاب بدأت تظهر مع بزوغ القمر ، وأن ابتسامة الفتاة الحسناء – في الواقع – تكشف عن أنياب .
حين رأى الأديب الأرستقراطي ” هوراس ولبول ” هذا ، أسس ما يُسمى ” الرعب في الجمال ” ، أو ما عُرف عالمياً حتى يومنا هذا بـ ” أدب الرعب القوطي ” ، عن طريق روايته ” قلعة أوترانتو ” مزج هوراس الرعب بالرومانسية و كشف عن العالم السحري داخل الأقبية المغلقة و خلف أبواب القصور ، بمرور الوقت تسلم أديب آخر مفاتيح هذا النوع من الأدب ، ليخلق جوانب أخرى أضيفت للــ ” رعب القوطي ” ، كفكرة الدفن حياً ، آلام الإحتضار ، الموت البطئ ، الطاعون .. الخ
” إدجار آلان بو ” .. الأب الروحي لأدب الرعب ، رغم أن بو سار في المقام الأول على منهج ” الرعب القوطي ” إلا ان بعض كتاباته تناولت أنواع اخرى من المخاوف ، كالشيطان المتمثل في المرض في قصة ” قناع الموت الأحمر ” ، و الرومانسية السوداء التي حملتها أغلب قصائده كـقصيدة ” الغراب ” و ” حلم داخل حلم ” ، استحضر ” إدجار آلان بو ” شيطان الموت بجميع كتاباته تقريباً وبقى هذا الشيطان ضيف الرعب القوطي إلى أن صرخ د . فرانكنشتاين بذعر قائلاً ” إنه حي !!! .. ” ..
بهذه الجملة أعادت ” ماري شيللي ” مسخ فرانكنشتاين إلى الحياة ، ليصبح بذلك الأب الروحي للموتى الأحياء بتاريخ أدب الرعب ، ظهر فرانكنشتاين للمرة الأولى بكابوس حلمت به ” ماري شيللي ” عن الجثة التي إستعادت حياتها بفعل الكهرباء ، حين استيقظت ماري قررت أن الكابوس لن يمر مرور الكرام ، وهذا ما حدث ، أصبح ” فرانكنشتاين ” احد ايقونات الرعب التي خلدت فكرة ” المسخ الذي يحمل بقلبه إنسانية لا يحملها البشر .. ” .
ظل مسخ فرانكنشتاين حياً إلى أن ظهر مَن شاركه الخلود ، بدأت الأحاديث تتناقل همساً بين سكان أوروبا عن ظل يجوب الشوارع ليلاً و يختفي إن ظهرت الشمس ، و جثث عُثر عليها لا تحمل قطرة دم واحده داخل عروقها ، علقت العائلات الصليب بالمنازل و عناقيد الثوم حول النوافذ خوفاً من كائن واحد ، سيد الظلام الذي انتقل من حكاية إلى حكاية وخيال إلى خيال حتى استقر أخيراً بين صفحات رواية ” برام ستوكر ” الشهيرة ” دراكيولا ” ، حمل هذا العمل الأدبى الخالد جميع أيقونات الرعب القوطي ، بل و أسس نواة لـــ” رعب مصاصي الدماء ” ، فرانكنشتاين و دراكيولا كانا بداية رعب القرن التاسع عشر ، ومع ظهورهما ظهر نوع آخر تماماً من الرعب ، لَم يعد الوحش مختبئ خلف الرومانسية أو هدوء القبور بل ظهر صريحاً ، ليعلن الادباء عن حقيقة أن ” أسوأ مسخ قد يقابله المرء هو نفسه ” ، باعتناق هذا المفهوم تراجع شبح الموت القوطي و بدأ عهد وحش الموت البشري .. ” رعب المسوخ ” .