أحد عشر كلباً .. وحتمية التورط في الأمر

كتب: محروس أحمد

بعد ديوانه الأول “كيف يقضي ولد وحيد الويك إند – ميريت-2007” ، يطل علينا الشاعر “ابراهيم السيد” هذه المرة ب”أحد عشر كلباً” عن نفس دار النشر ، وبغض النظر عن الإحالة التراثية للعنوان إلا أن الشاعر بعد سبع سنوات لا يبدو فقط أكثر وعياً ونضجاً ، لكنه يبدو أكثر تحديداً ووضوحاً فيما يرغبه من القصيدة ، وفي ترسيخ موقعه كشاعر لقصيدة النثر مثبتاً اسمه بجوار الكبار في صدارة مشهدها .
أن تحل اللغز
سيستلزم دائماً
الكثير من المعطيات
غير المتاحة .
في لغز الحياة بمعناه الأشمل ، لا يتركنا “السيد”دون كل المفاتيح ، لكنه يسرب لنا بعضها بين سطوره الشعرية ، ولا يتركنا نبدأ في قراءة الكلمة الأولى من الديوان دون إعطاءنا أولها عبر تقديم الكتاب مستخدماً أبيات “أونجاريتي” :
بعيدان
أنا وذاكرتي
نقتفي أثر الحيوات الضائعة
ترتيب قصائد الديوان يحيلك لروايات السيرة الذاتية ، ومع المشهدية شديدة الخصوصية في مقابل المجانية التي يعتبرها “أنسي الحاج” شرطاً من شروط قصيدة النثر يتحقق ما يشبه “تقطيع زمني سينمائي غير متسلسل بالكامل” ، يبدأ الديوان بقصيدة “الحياة في الأصل شجرة”، ثم عدد من القصائد البصرية إن جاز التعبير ، مشاهد بكر ، لقطات مميزة محفورة في الوجدان من حقبة التسعينات :
“مدرس لغة عربية بنظارة سميكة وزوجة قروية صغيرة لم نعرف اسمها أبداً . هياتم بابتسامة عريضة وجسد خامل ومسترخ تماما داخل كواليس فيلم بطولة محمود الجندي ووحيد سيف من إخراج ناصرحسين ”
ثم تأتي القصائد “تنين أخضر صغير ، أيام الانسان السبعة ، نزهة مسائية ، و آيس كريم في جليم ” كأفلام قصيرة داخل الفيلم الأم .
“أقود دراجتي البخارية
موسيقى الجاز ترن في أذني
علب مليئة بأحلام ملونة تتكسر خلفي على الأسفلت
المعادي لا تشبه نيويورك في يناير ”
مجموعة القصائد التالية هي للشباب وفورته وثورته “سبع نصائح صغيرة للإقلاع عن التدخين ،سحر الفاشية الخفي ، في الطريق إلى البيت ، The Molotov Manifesto”.
أجواء يناير لم تغب عن الديوان ، الحقيقة أن الحال السياسي من يناير 2011 إلى الآن يتماهى بشكل أو بآخر مع “أحد عشر كلباً ” بداية من التصريح بالمشهد ، وصولاً لحالة الاكتشاف المستمر أن للمجتمع قاع أعمق .
النسخ الجديدة شائهة والدبابات ومجنزرات أخرى
تحتل الشوارع.
في خلفية المشهد موسيقى المهرجانات نشيد وطني لجيوش جرارة من بائعي الولاعات ، ورجال الدولة وآخرين.
الجزء قبل الأخير من الديوان هو قصيدة أو مجموعة قصائد #30 ، يبلغ الشاعر ثلاثين عاماً ويقطّر الحكمة في قصائد قصيرة أشبه بالهايكو :
أحتاج فقط
مزيداً من الوقت
كي يتسنى لي
تأجيل الذهاب إلى هناك .
من قلب العالم الاستهلاكي المصنوع ، تعبر بك الذات الشاعرة عند “ابراهيم السيد ” شاشة الرؤية السينمائية ، لتبدل دورك من مجرد قاريء لمشاهد متورط بحياده .
المحبة خادعة
الحياد كاذب
التورط في الأمر حتمي
وصراخنا
معلق كنباح كلاب ضالة
يرتد صداه وسط الأبنية الفارغة
لضواحي الصحراء